فصل: سنة ست وستين وثمانمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وفي يوم الاثنين سابع عشرين رمضان استقر يشبك البجاسي أحد مقدمي الألوف بمصر في حجوبية حلب وأنعم بتقدمته على الأمير جانبك الإينالي الأشرفي المعروف بقلقسيز انتقل إليها من إمرة عشرة بسفارة الأمير جانبك الدوادار‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه توجه القاضي محب الدين بن الشحنة كاتب السر إلى خانقاه سرياقوس لتحليف جانم نائب الشام المقدم ذكره‏.‏

وسافر جانم في يوم الجمعة ثاني شوال إلى محل كفالته على أقبح وجه وسافر بعده تمراز الذي استقر في نيابة صفد كل ذلك بتدبير عظيم الدولة جانبك الدوادار وقد انتهت إليه يوم ذلك رئاسة المماليك الظاهرية بديار مصر‏.‏

وأما الملك الظاهر فإنه لما سافر جانم أخذ في مكافأة العسكر واستجلاب خواطرهم ووجد عنده حاصلًا كبيرًا من الإقطاعات ليس ذلك مما كان في ديوان السلطان وإنما هو إقطاعات الأجلاب مماليك الأشرف إينال وأضاف إلى ذلك شيئًا كثيرًا من الذخيرة السلطانية ومن أوقاف الملك الأشرف إينال وأوقاف حواشيه حتى إنه صار يأخذ البلد العظيمة من ديوان المفرد وغيره وينعم بها على جماعة لكل واحد إمرة عشرة وتارة ينعم بها على خمسين مملوكًا من المماليك السلطانية وأكثر وأقل‏.‏

وقاسى الملك الظاهر من طلب المماليك أمورًا عظيمة وأهوالًا ولما قل ما عنده من الضياع بالديار المصرية مد يده إلى ضياع البلاد الشامية ففرق منها على أمراء مصر وأجنادهم ما شاء الله أن يفرق‏.‏

فلما كان يوم السبت ثالث شوال شرع السلطان في تفرقة نفقة المماليك السلطانية ففرقت في كل يوبم طبقة واحدة لقلة متحصل الخزانة الشريفة لكل واحد مائة دينار ولمن يستخفون به خمسون دينارًا وبالجملة إنها فرقت أقبح تفرقة لعجز ظاهر وقلة موجود ومصادرات الناس‏.‏

ولما كان يوم الاثنين خامس شوال أنعم السلطان بالخلع على جميع أمراء الألوف وأنعم على كل واحد بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش ورسم لهم بالنزول إلى دورهم وكان لهم من يوم قدم جانم نائب الشام إلى خانقاه سرياقوس مقيمين بجامع القلعة وكذلك القضاة فنزل الجميع إلا الخليفة فإنه دام بقلعة الجبل إلى يوم تاريخه وأظن ذلك صار عادة ممن يلي الملك بعده‏.‏

وفي هذه الأيام استقر خيربك القصروي نائب قلعة الجبل في نيابة غزة بعد عزل بردبك السيفي سودون من عبد الرحمن ورسم السلطان أن يفرج عن الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباي وعن الملك المنصور عثمان ابن الملك الظاهر جقمق من محبسهما ببرج الإسكندرية ورسم لهما أن يسكنا بأي مكان اختارا بالثغر المذكور ورسم أيضًا بكسر قيد الملك المؤيد أحمد بن الأشرف إينال‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابعه ماجت مماليك الأمراء ووقفوا في جمع كبير بالرميلة يطلبون نفقات أستاذيهم لينفق أستاذ كل واحد منهم في مماليكه وكان السلطان أخر نفقات الأمراء إلى أن تنتهي نفقة المماليك السلطانية وكانت العادة تفرقة النفقة على الأمراء قبل المماليك‏.‏

فلما بلغ السلطان ذلك شرع في إرسال النفقة إلى الأمراء وقد ذكرنا قدر ما أرسل لكل واحد منهم في تاريخنا ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن شوال استقر الأمير قانم المؤيدي أمير مجلس عوضًا عن قرقماس الأشرفي بحكم انتقاله إلى إمرة سلاح قبل تاريخه واستقر الأمير بيبرس خال العزيز رأس نوبة عوضًا عن قانم واستقر يلباي الإينالي المؤيدي جاجب الحجاب عوضًا عن بيبرس المذكور ولبس الأمير جانبك الدوادار خلعة الآنظار المتعلقة بوظيفته ونزل في موكب هائل‏.‏

ثم في يوم الأحد حادي عشره وصل الأمير تمربغا الظاهري الدوادار الكبير كان من مكة المشرفة بطلب إلى القاهرة وأظنه كان خرج من مكة قبل أن يأتيه الطلب وطلع إلى القلعة وقبل الأرض وخلع السلطان عليه كاملية بمقلب سمور ونزل إلى داره التي بناها وجددها المعروفة قديمًا بدار منجك‏.‏

وكان الأمير جانبك الدوادار قبل مجيء الأمير تمربغا عظيم المماليك الظاهرية فلما حضر تمربغا هذا وجلس فوق الأمير جانبك لكونه كان أغاته بطبقة المستجدة أيام أستاذه ولعظمته في النفوس وسبقه للرئاسة صار هو عظيم المماليك الظاهرية وركضت ريح جانبك قليلًا واستمر على ذلك‏.‏

وفي يوم الأربعاء رابع عشره تسحب الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز ناظر الخاص الشريف بعد أن قام بالكلف السلطانية أتم قيام أعني بذلك عن الخلع التي خلعها السلطان في أول سلطنته وكانت خارجة عن الحد كثرة ثم عقيب ذلك خلع عيد الفطر بتمامها وكمالها وبينهما مسافة يسيرة من الأيام ولم يظهر العجز في ذلك جميعه يومًا واحدًا إلى أن طلب منه السلطان من ثمن البهار مائة ألف دينار لأجل النفقة السلطانية فعجز حينئذ وهرب‏.‏

واستقر عوضه في نظر الخاص القاضي شرف الدين الآنصاري وباشر هو أيضًا أحسن مباشرة وقام بالنفقة السلطانية هو والأمير جانبك الدوادار وتنم رصاص أتم قيام أعني أنهم اجتهدوا في تحصيل المال من وجوه كثيرة‏.‏

هذا ما وقع للملك الظاهر خشقدم من يوم تسلطن إلى يوم تاريخه مرارًا‏.‏

ومن الآن نشرع في ذكر نوادر الحوادث إلى أن تنتهي ترجمته خوفًا من الإطالة والملل فنقول‏:‏ ولما كان يوم الاثنين ثالث ذي القعدة استقر القاضي نجم الدين يحيى بن حجي في نظر الجيش بعد أن صرف القاضي زين الدين بن مزهرعنها‏.‏

وفي يوم خامس عشر ذي القعدة عين السلطان تجريدة إلى قبرس نجدة لمن بها من العساكر الإسلامية ثم بطل ذلك بعد أيام‏.‏

وفي يوم الخميس سابع عشرينه استقر الصفوي جوهر التركماني زمامًا وخازندارًا عوضًا عن لؤلؤ الأشرفي الرومي‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشرين ذي الحجة أمسك السلطان بالقصر السلطاني بالقلعة جماعة من أمراء الألوف وغيرهم من الأشرفية وهم‏:‏ بيبرس خال العزيز رأس نوبة النوب وجانبك من أمير الظريف الدوادار الثاني وأحد أمراء الألوف وجانبك المشد أحد أمراء الألوف أيضًا‏.‏

وأمسك من أمراء الطبلخانات والعشرات جماعة أيضًا مثل‏:‏ قانم طاز الخازندار الكبير ونوروز الإسحاقي وبرسباي الأمير آخور وكرتباي ودولات باي سكسن وأبرك البجمقدار وكلهم عشرات إلا قانم طاز أمير طبلخاناه‏.‏

فلما سمعت خجداشيتهم بذلك ثاروا ووافقهم المماليك الأشرفية الإينالية وجماعة من الناصرية وتوجهوا الجميع إلى الأمير الكبير جرباش المحمدي الناصري وهو مقيم يوم ذاك بتربة الملك الظاهر برقوق التي بالصحراء وكان في التربة في مأتم ابنته التي ماتت قبل تاريخه بأيام واختفى جرباش المذكور منهم اختفاء ليس بذاك فظفروا به وأخذوه ومضوا له إلى بيت قوصون الذي سد بابه الآن من الرميلة تجاه باب السلسلة ومروا به من باب النصر من شارع القاهرة وبين يديه جماعة من أمراء الأشرفية وغيرهم وعليهم آلة الحرب وقد لقبوه بالملك الناصر على لقب أستاذه الناصر فرج بن برقوق ولما وصلوا إلى بيت قوصون أجلسوه بمقعد البيت‏.‏

وعندما جلس بالمقعد ظهر على الأشرفية وغيرهم اختلال أمرهم لاختلاف كلمتهم من سوء آرائهم المفلوكة ولعدم تدبيرهم فإن الصواب كان جلوسه بالتربة المذكورة إلى أن يستفحل أمرهم وأيضًا إنهم لما أوصلوه إلى بيت قوصون ذهب غالبهم ليتجهز للقتال وبقي جرباش في أناس قليلة‏.‏

وأما الملك الظاهر خشقدم فإنه لما بلغ الملك الظاهر والظاهرية أمرهم طلعوا بأجمعهم إلى القلعة وانضم عليهم أيضًا خلائق لعظم شوكة السلطنة من خجداشية السلطان المؤيدية وغيرهم وأخذوا السلطان ونزلوا به من القصر إلى مقعد الإسطبل السلطاني أعلى باب السلسلة وعليهم السلاح ودقت الكوسات بالقلعة وشرعوا في القتال‏.‏

وبينما هم في تناوش قتال جرباش وقد رأى جرباش أن أمره لا ينتج منه شيء تدارك فرطه وقام من وقته وركب وطلع إلى القلعة طائعًا إلى السلطان وقبل الأرض واعتذر بإلاكراه فقبل السلطان منه عذره وفي النفس من ذلك شيء وانهزمت الأشرفية الكبار‏.‏

وهذا ذنب ثان للأشرفية عند السلطان والذنب الأول قصة خجداشهم جانم والثاني هذا وانهزم جميع من كان انضم على جرباش المذكور وتوجه كل منهم إلى حال سبيله فتجاهل السلطان عليهم وزعم أنه قبل أعذارهم إلى أن تم أمره فمذ يده يمسك وينفي ويكتب إلى التجاريد والسخر إلى أن أبادهم‏.‏

ثم في يوم الجمعة سابع عشرين ذي الحجة المذكور أخفوا الأمراء الممسوكين ونزلوا بهم إلى حبس الإسكندرية‏.‏

وفي يوم الاثنين سلخ ذي الحجة خلع السلطان على جميع أمراء الألوف كل واحد كاملية بمقلب سمور وأنعم على الأمير تمربغا الظاهري القادم من مكة بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن جانبك المشد بحكم حبسه وخلع عليه باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن بيبرس خال العزيز وأنعم بإقطاع بيبرس على يلباي المؤيدي الحاجب لكونه أكثر متحصلًا من إقطاعه وأنعم بإقطاع يلباي على خجداشه قاني بك المحمودي المؤيدي أحد أمراء دمشق الأ لوف كان‏.‏

وفيه أيضًا استقر الأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية دوادارًا ثانيًا عوضًا عن جانبك الظريف على إمرة عشرة وكان جانبك الظريف وليها على تقدمة ألف‏.‏

 سنة ست وستين وثمانمائة

ففي يوم الأربعاء ثاني المحرم وصل الخبر بأن الأمير إياسًا المحمدي الناصري نائب طرابلس وصل من جزيرة قبرس إلى ثغر دمياط بغير إذن السلطان‏.‏

وفيه نفى السلطان خيربك البهلوان وقانم الصغير الأشرفيين إلى البلاد الشامية وكلاهما أمير عشرة‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث المحرم عين السلطان مع سليمان بن عمر الهواري تجريدة من المماليك السلطانية وعليهم ثلاثة أمراء أشرفية‏:‏ جكم خال العزيز وأيدكي ومغلباي فتأمل حال الأشرفية من الآن‏.‏

ثم في يوم الاثنين سابع المحرم استقر الأمير طوخ الأبوبكري المؤيدي زردكاشًا عوضًا عن سنقر قرق شبق الأشرفي بحكم القبض عليه واستقر سودون الظاهري الأفرم خازندارًا كبيرًا عوضًا عن قانم طاز بحكم القبض عليه أيضًا‏.‏

وأنعم السلطان في هذا اليوم على جماعة كثيرة بأمريات وإقطاعات ووظائف باستحقاق وغير استحقاق كما هي عوائد أوائل الدول‏.‏

ثم في ليلة الثلاثاء ثامن المحرم سافر الأمير قاني باي المحمودي الظاهري المشد إلى ثغر دمياط للقبض على الأمير إياس الناصري نائب طرابلس وإيداعه السجن لكونه حضر من قبرس وترك من بها من عساكر المسلمين‏.‏

ثم عين السلطان جماعة من الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار إلى سفر قبرس وأميرهم مغلباي البجاسي أتابك طرابلس وكان مغلباي حضر مع إياس‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشر المحرم استقر قراجا العمري ثاني رأس نوبة وأمير مائة ومقدم ألف بدمشق على إقطاع هين وقراجا هذا أيضًا ممن كان انضم على جرباش من خجداشيته واستقر تنم الحسيني الأشرفي عوضه رأس نوبة ثانيًا‏.‏

وفي يوم الخميس سابع عشر المحرم استقر برسباي البجاسي الأمير آخور الكبير نائب طرابلس عوضًا عن إياس المقبوض عليه واستقر عوضه في الأمير آخورية الكبرى يلباي المؤيدي حاجب الحجاب واستقر في حجوبية الحجاب عوضه الأمير بردبك الظاهري البجمقدار وأنعم السلطان بإقطاع برسباي البجاسي على قاني بك المحمودي وأنعم بإقطاع قاني بك المحمودي على تمرباي ططر الناصري وكلاهما تقدمة ألف لكن الزيادة في المتحصل وفرق السلطان إقطاع تمرباي ططر على جماعة‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشرين المحرم استقر الخواجا علاء الدين علي الصابوني ناظر الإسطبل السلطاني بعد عزل شرف الدين بن البقري وأضيف إليه نظر وأمير الركب الأول تنبك الأشرفي‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني صفر أعيد القاضي زين الدين بن مزهر إلى وظيفة نظر الجيش بعد عزل القاضي نجم الدين يحيى بن حجي‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سابع صفر وصل إلى القاهرة رأس نوبة الأمير جانم نائب الشام ومعه تقدمة إلى السلطان تسعة مماليك لا غير من عند مخدومه واعتذر عن مخدومه أنه ليس له علم بتسحب الأمير تمراز نائب صفد وأنه باق على طاعة السلطان وكان السلطان أرسل قبل تاريخه بمسك تمراز المذكور فهرب تمراز من صفد وله قصة حكيناها في ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء رابع عشره وصل أيضًا الزيني عبد القادر بن جانم نائب الشام يستعطف خاطر السلطان على أبيه وكان عبد القادر حديث السن وقد حضر معه الأمير قراجا الظاهري أتابك دمشق ليتلطف السلطان في أمر نائب الشام‏.‏

ولما وصل قراجا المذكور إلى منزلة الصالحية رسم السلطان بعوده إلى دمشق ومنعه من الدخول إلى مصر ورسم لعبد القادر المذكور بالمجيء فجاء الصبي ورد قراجا إلى الشام‏.‏

وفي هذا اليوم رسم السلطان بإحضار الأمير تنم من عبد الرزاق المؤيدي أمير سلاح كان من ثغر دمياط وقد رشح لنيابة الشام عوضًا عن جانم المذكور‏.‏

ثم في ليلة الخميس سادس عشر صفر المذكور سافر الأمير تنم من نخشايش الظاهري المعروف برصاص محتسب القاهرة إلى دمشق على النجب والخيل ومعه جماعة كثيرة من الخاصكية مقدار ثلاثين نفرًا أيا دارها بالخيف إن مزارها قريب ولكن دون ذلك أهوال ثم في يوم الأربعاء عشرينه وصل الأمير تنم من ثغر دمياط وقبل الأرض وأجلسه السلطان فوق الأمير قرقماس أمير سلاح وخلع عليه‏.‏

ثم في يوم الاثنين سابع عشرينه خلع عليه بنيابة الشام واستقر مسفره الأمير بردبك هجين الظاهري الأمير آخور الثاني‏.‏

وخلع السلطان على الأمير قانصوه اليحياوي الظاهري بتوجهه إلى الأمير جانبك الناصري المعزل قبل تاريخه عن حجوبية دمشق وعلى يده تقليده وتشريفه بنيابة صفد عوضًا عن تمراز الأشرفي‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الأول وصل إلى القاهرة الأمير ازدمر الإبراهيمي وخجداشه قرقماس وقد كان مسافرًا مع الأمير تنم رصاص المحتسب إلى دمشق وأخبر أزدمر المذكور أن الأمير جانم نائب الشام خرج منها بمماليكه وحشمه بعد دخول تنم رصاص إلى دمشق ومراسلته ولم يقدر تنم على مسكه بل ولا على قتاله وكان خروج جانم من دمشق قبيل العصر من يوم الأحد سادس عشرين صفر ولم يكترث بأحد من الناس وتوجهه إلى جهة حسن بك بن قرايلك‏.‏

ثم في يوم الجمعة ثاني عشرين ربيع الأول ركب السلطان من قلعة الجبر ببعض أمرائه وخاصته ونزل إلى بيت الأمير تنم المستقر في نيابة الشام وسلم عليه وهذا أول نزوله من قلعة الجبل من يوم تسلطن‏.‏

ثم نزل السلطان بعد ذلك بقماش الموكب في يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الآخر وسار إلى تربته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النصر وخلع على البدري حسن بن الطولوني معلم السلطان وعلى غيره ثم توجه إلى مطعم الطير وجلس به واصطاد أمير شكار بين يديه ثم ركب وعاد إلى القلعة بعد أن شق القاهرة ودخل في عوده إلى بيت إنيه الأمير تنبك الأشرفي المعلم‏.‏

وفي يوم الثلاثاء رابع عشره استقر شرف الدين يحيى بن الصنيعة أحد الكتاب وزيرًا بالديار المصرية بعد عزل علي بن الأهناسي‏.‏

وفي يوم الاثنين أول جمادى الأولى أنعم السلطان على الأمير بردبك هجين الظاهري أمير آخور ثان بإمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت تمرباي ططر وأنعم بإقطاع بردبك المذكور على مغلباي طاز المؤيدي وأنعم بإقطاع مغلباي على سودون الأفرم الظاهري الخازندار وأنعم بإقطاع سودون الأفرم على سودون البردبكي المؤيدي الفقيه‏.‏

وفي يوم السبت سادس جمادى الأولى وصل تنم رصاص‏.‏

ثم في يوم السبت استقر إينال الأشقر الظاهري والي القاهرة في نياية ملطية بعد موت قاني باي الجكمي‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشره استقر الصارمي إبراهيم بن بيغوت نائب قلعة دمشق بعد موت سودون قندوره التركماني اليشبكي بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بدمشق‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشرين جمادى الأولى المذكورة خرج الأمير تنم نائب الشام إلى محل كفالته‏.‏

وفي آخر هذا الشهر وصل قاصد حسن بك بن علي بك بن قرايلك صاحب آمد وأخبر السلطان أن الأمير جانم نائب الشام جاء إليه واستشفع عند السلطان له‏.‏

وفي هذا الشهر ترادفت الأخبار بأن جانم نائب الشام أرسل يدعو تركمان الطاعة إلى موافقته وأن حسن بك المقدم ذكره دعا لجانم على منابر ديار بكر‏.‏

ثم في يوم الأربعاء سابع شهر رجب نودي بشوارع القاهرة بالزينة لدوران المحمل ونودي أيضًا بأن أحدًا من المماليك ولا غيرهم لا يحمل سلاحًا ولا عصاة في الليل فدامت الزينة إلى أن انتهى دوران المحمل في يوم الاثنين ثاني عشره ولم يحدث إلا الخير والسلامة‏.‏

وكان معلم الرماحة في هذه السنة الأمير قايتباي المحمودي الظاهري المشد والباشات الأربعة أمراء عشرات‏:‏ برقوق الناصري ثم طومان باي الظاهري ثم جانبك الأبلق الظاهري ثم برسباي قرا الظاهري‏.‏

ثم في يوم الخميس خامس عشره عين السلطان تجريدة إلى الوجه القبلي أربعمائة مملوك من المماليك السلطانية ومقدم العسكر الأمير جانبك الدوادار وصحبته من أمراء الألوف جانبك قلقسيز الأشرفي ومن أمراء الطبلخانات والعشرات نحو عشرين أميرًا وخرجوا بسرعة في ليلة السبت سابع عشر رجب‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشره الموافق لحادي عشرين برمودة لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكي المعد لأيام الصيف وابتدأ في يوم السبت سابع عشره يلعب الكرة على العادة في كل سنة‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشرينه عاد الأمير جانبك الدوادار بمن كان معه من بلاد الصعيد إلى الجيزة وطلع إلى السلطان من الغد بغير طائل ولا حرب وخلع السلطان عليه‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشر شعبان سافرت خوند الأحمدية زوجة السلطان في محفة إلى ناحية طندتا بالغربية لزيارة سيدي أحمد البدوي‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشرينه سافرت الغزاة المعينون قبل تاريخه إلى قبرس انتهى‏.‏

وفي يوم الأحد ثامن شهر رمضان ورد الخبر بموت حاج إينال اليشبكي نائب حلب فخلع السلطان في يوم الخميس ثاني عشره على الأمير قايتباي شاد الشراب خاناه بتوجهه إلى حماة وعلى يده تقليد جانبك التاجي المؤيدي نائب حماة وتشريفه بنيابة حلب عوضًا عن الحاج إينال‏.‏

واستقر مغلباي طاز مسفر الأمير جانبك الناصري نائب صفد باستقراره في نيابة حماة‏.‏

واستقر في نيابة صفد خيربك القصروي نائب غزة وتوجه بتقليده الأمير تمرباي الظاهري السلاحدار‏.‏

واستقر في نيابة غزة أتابك حلب شاد بك الصارمي ومسفره طومان باي الظاهري‏.‏

واستقر يشبك البجاسي حاجب حجاب حلب أتابكًا بها عوضًا عن شاد الصارمي‏.‏

واستقر تغري بردي بن يونس نائب قلعة حلب في حجوبية حلب عوضًا عن يشبك البجاسي‏.‏

واستقر كمشبغا السيفي نخشباي أحد المماليك السلطانية بمصر في نيابة قلعة حلب دفعة واحدة من قبل أن تسبق له رئاسة مع عدم أهلية أيضًا وكانت ولايته بالمال ولا قوة إلا بالله‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع شوال خرجت تجريدة إلى البحيرة وعليها ثلاثة أمراء من أمراء الألوف‏:‏ قرقماس أمير سلاح ويشبك الفقيه وبردبك هجين الظاهري ومن أمراء الطبلخانات‏:‏ خشكلدي القوامي الناصري وتنم الحسيني الأشرفي ثاني رأس نوبة ومن أمراء العشرات‏:‏ قاني باي السيفي يشبك بن أزدمر وقلمطاي الإسحاقي وقنبك الصغير الأشرفيان وسنطباي قرا الظاهري‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن جانم نائب الشام كان عدى الفرات في جمع كثير من المماليك وتركمان حسن بك بن قرايلك وسار بعساكره حتى وصل إلى تل باشر من أعمال حلب وتجهز نائب حلب لقتاله ففي الحال عين السلطان تجريدة إلى حلب لقتال جانم‏:‏ أربعمائة مملوك ثم أضاف إليهم مائتين وعليهم أربعة أمراء من مقدمي الألوف وهم‏:‏ جانبك الظاهري الدوادار الكبير ويلباي المؤيدي الأمير آخور الكبير وأزبك الظاهري وجانبك قلقسيز الأشرفي وثلاثة عشر أميرًا من أمراء الطبلخانات والعشرات‏.‏

ثم نودي في يوم الثلاثاء خامس عشر شوال بالنفقة فيمن عين إلى التجريدة المذكورة‏.‏

ثم أصبح الغد في يوم الأربعاء رسم بإبطال التجريدة وسبب ذلك ورود الخبر من نائب حلب بعود جانم على أقبح وجه وأن جماعة كثيرة من مماليكه فارقوه وقدموا إلى مدينة حلب‏.‏

وأمر رجوع جانم أنه كان لما وصل إلى تل باشر وقع بينه وبين تركمان حسن بك الذين كانوا معه كلام طويل ذكرناه في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ فتركوه وعادوا فتلاشى أمر جانم لذلك وعاد‏.‏

وفي يوم الخميس سابع عشر شوال خرج الأمير بردبك الظاهري أمير حاج المحمل بالمحمل إلى بركة الحاج دفعة واحدة وكانت العادة قديمًا أن ينزل بالريدانية ثم يرحل إلى بركة الحاج وكان أمير الركب الأول فى هذه السنة الناصري محمد ابن الأتابك جرباش المحمدي‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشرينه استقر القاضي محب الدين بن الشحنة قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية بعد استعفاء شيخ الإسلام سعد الدين بن الديري لضعف بدنه وكبر سنه واستقر أخوه القاضي برهان الدين إبراهيم بن الديري كاتب السر الشريف عوضًا عن قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة المقدم ذكره‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشرينه استقر القاضي نور الدين بن الإنبابي عين موقعي الدست الشريف في نيابة كتابة السر بعد عزل لسان الدين حفيد القاضي محب الدين بن الشحنة فحينئذ أعطي القوس لراميه والقلم لباريه فإنه حق لهذه الوظيفة وأهل لها‏.‏

ثم في رابع ذي القعدة توفيت بنت خوند الأحمدية زوجة السلطان وهي بنت أبرك الجكمي أحد أمراء دمشق وقد تزوجها الزيني عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين العيني فولدت منه الشهابي أحمد بن العيني الآتي ذكره في محله‏.‏

وفي يوم الاثنين سادس ذي القعدة عزل السلطان القاضي برهان الدين إبراهيم بن الديري عن وظيفة كتابة السر بعد أن باشرها خمسة عشر يومًا وكان سبب عزله أنه لما ماتت بنت خوند المقدم ذكرها في يوم السبت قال ابن الديري‏:‏ ورد في الأخبار المنقولة عن الأفاضل أنه ما خرج من بيت ميت في يوم السبت إلا وتبعه اثنان من أكابر ذلك البيت‏.‏

وشغرت كتابة السر بعده مدة وباشر الوظيفة القاضي نور الدين الإنبابي نائب كاتب السر‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشره ورد الخبر من البحيرة بأن العسكر واقع عرب لبيد وقتل من عسكر السلطان أميران‏:‏ تنبك الصغير الأشرفي وسنطباي قرا الظاهري وجماعة من المماليك‏.‏

وسبب قتلهم أمر ذكرناه في ‏"‏ الحوادث ‏"‏ إذ هو محل إطناب في الواقع وحاصل الخبر أن الذين قتلوا هؤلاء هم عرب الطاعة في الغوغاء لا عرب لبيد‏.‏

ثم في يوم الاثنين عشرين من ذي القعدة خلع السلطان على القاضي زين الدين أبي بكر بن مزهر ناظر الجيش باستقراره في وظيفة كتابة السر مسؤولًا في ذلك مرغوبًا في ولايته واستقر القاضي تاج الدين عبد الله بن المقسي في وظيفة نظر الجيش عوضًا عنه‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشرين ذي الحجة توعك السلطان في بدنه من إسهال حصل له ولم ينقطع عن صلاة الجمعة بجامع القلعة الناصري مع الأمراء على العادة واستمر به الإسهال إلى يوم سادس عشرينه فخرج من الدهيشة إلى الحوش وجلس على الدكة‏.‏

وحضرت أكابر الأمراء الخدمة بالحوش المذكور وعلى وجه السلطان أثر الضعف كل ذلك وهو ملازم للفراش غير أنه يتجلد ويجلس على الفرش بقاعة البيسرية والناس تدخل إليه بها للخدمة على العادة‏.‏

وفي هذا اليوم حضر إلى القاهرة مبشر الحاج وهو غير تركي رجل من العرب وهذا غير العادة وما ذاك إلا مخافة السبل وعدم الأمن بالطريق فأعاب الناس ذلك على أرباب المملكة‏.‏

وفي هذه السنة أخذ حسن بك بن علي بك بن قرايلك مدينة حصن كيفا ثم أخذ قلعتها في ذي القعدة بعد ما حاصرها سبعة أشهر وانقطع من الحصن ملك الأكراد الأيوبية بعدما ملكوها أكثر من مائتي سنة وذلك بعد قتل صاحبها الملك خلف بيد بعض أقاربه فاختلف الأكراد فيما بينهم فوجد حسن بك بذلك فرصة في أخذها فحاصرها حتى أخذها‏.‏

وقوي أمر حسن بأخذها فإنه أخذ بعد ذلك عدة قلاع وممن من أعمال ديار بكر من تعلقات الحصن وغيره‏.‏

سنة سبع وستين وثمانمائة وجميع نواب البلاد الشامية مقيمون بحلب مخافة هجوم جانم عليها والسلطان ملازم الفراش‏.‏

فلما كان أول المحرم دقت البشائر لعافية السلطان ثلاثة أيام‏.‏

وفي يوم الخميس سادس المحرم خلع السلطان على الأطباء وعلى السقاة وعلى من له عادة‏.‏

ثم في يوم الأربعاء تاسع عشره وصل أمير الركب الأول الناصري محمد ابن الأتابك جرباش ودخل أمير حاج المحمل الأمير بردبك من الغد‏.‏

ومن غريب الاتفاق أني سألت الناصري محمد ابن الأتابك جرباش‏:‏ ‏"‏ متى بلغكم مرض السلطان ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏ في المدينة الشريفة ‏"‏ فحسبنا الأيام فكان يوم سمعوا فيه خبر مرضه قبل أن يمرض بيوم أو يومين‏.‏

وفي يوم الخميس حادي عشر صفر استقر علي بن الأهناسي في وظيفتي الوزر والخاص ولبس في هذا اليوم وظيفة الخاص عوضًا عن القاضي شرف الدين موسى الأنصاري والوزر عوضًا عن شرف الدين يحيى بن صنيعة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء أول شهر ربيع الأول استقر القاضي علم الدين بن جلود كاتب المماليك السلطانية‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث عشره عمل السلطان المولد النبوي بالحوش من الجبل على العادة من كل سنة وأصبح من الغد عمل مولدًا آخر لزوجته خوند الأحمدية‏.‏

ثم في يوم السبت سادس عشرينه استقر الزيني قاسم الكاشف أستادارًا بعد أن اختفى الأمير زين الدين الأستادار‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر ورد الخبر من جانبك التاجي نائب حلب أن جانم نائب الشام قتل بمدينة الرها وقد اختلف في قتله على أقاويل ذكرناها في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الأولى استقر بلاط دوادار الحاج إينال في نيابة صفد دفعة واحدة من غير تدريج ببذل المال عوضًا عن خيربك القصروي وتوجه خيربك على إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق عوضًا عن يشبك آس قلق المؤيدي بحكم استقرار يشبك المذكور في نيابة غزة بعد موت شاد بك الصارمي ثم تغير ذلك بعد أيام لامتناع يشبك من نيابة غزة واستمر يشبك على إمرته بدمشق فصار خيربك بطالًا بالشام‏.‏

ثم رسم السلطان أن يستقر شاد بك الجلباني في نيابة غزة بعشرة آلاف دينار وإن امتنع شاد بك من نيابة غزة حمل الى قلعة دمشق ويؤخذ منه العشرة آلاف دينار‏.‏

وفيه استقر أزدمر الإبراهيمي مسفر بلاط نائب صفد واستقر سودون البردبكي الفقيه المؤيدي مسفرًا لمن يستقر في نيابة غزة‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثاني جمادى الآخرة استقر الصاحب شمس الدين منصور أستادارًا عوضًا عن قاسم الكاشف‏.‏

وفي يوم السبت رابع عشره رسم السلطان بعزل إينال الأشقر عن نيابة ملطية بالأمير يشبك البجاسي أتابك حلب واستقر إينال الأشقر أتابك حلب عوضه‏.‏

وفي سلخ هذا الشهر سافرت خوند الأحمدية زوجة السلطان إلى زيارة الشيخ أحمد البدوي‏.‏

وفي يوم الاثنين أول شهر رجب سافرت الغزاة في بحر النيل إلى ثغر دمياط ليتوجهوا من الثغر إلى جزيرة قبرس وكان على هذه الغزاة الأمير بردبك الظاهري حاجب الحجاب والأمير جانبك قلقسيز الأشرفي واثنا عشر أميرًا آخر هم‏:‏ بردبك التاجي وقانصوه المحمدي وقانصوه الساقي ويشبك الأشقر ثم خيربك من حديد وقلطباي وكلهم أشرفية برسبائية ثم تنم الفقيه المؤيدي ثم يشبك القرمي وتمرباي السلاح دار وقانصوه وهؤلاء الثلاثة ظاهرية جقمقية ثم من السيفية مغلباي الجقمقي وتنبك السيفي جانبك النور ونحو خمسمائة مملوك من المماليك السلطانية وهذا خلاف المطوعة والخدم وأرباب الصنائع وغيرهم‏.‏

وفيه ظهر الأمير زين الدين وطلع إلى السلطان ولبس كاملية واستقر وفي يوم الاثنين خامس عشره أدير المحمل على العادة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادس عشره استقر الأمير جكم الأشرفي خال الملك العزيز في نيابة غزة بعدما شغرت مدة طويلة‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع عشرين رجب استقر بدرالدين حسين بن الصواف قاضي الحنفية بالديار المصرية عوضًا عن قاضي القضاة محب الدين بن الشحنة بحكم عزله‏.‏

وفيه جهز السلطان تجريدة إلى البحيرة عليها أميران من أمراء الألوف وهما جانبك الناصري المرتد وقاني باي المحمودي المؤيدي وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات‏.‏

وفيه ثارت مماليك السلطان الأجلاب عليه ومنعوا أرباب الدولة والأمراء وغيرهم من الطلوع إلى القلعة للخدمة السلطانية وضربوا الأمير جوهرًا مقدم المماليك وهجموا على سودون القصروي نائب القلعة ثم بطلت الفتنة لأمر حكيناه في ‏"‏ الحوادث ‏"‏‏.‏